بعد إساءة "ماكرون" للمسلمين.. هذه تفاصيل معركة "المنصورة" واسر لويس التاسع ملك فرنسا
يبدو ان الرئيس الفرنسي ماكرون، ظن ان بإمكانه ان ينال من مشاعر المسلمين، عن طريق الإستهزاء بمقدساتهم الدينية، وبالتحديد برسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن ما لم يعلمه الرئيس الفرنسي ان غضبت المسلمين اسقطت اجداده تحت اقدامهم، وهناك الكثير من المعارك التي دارت بين القوات الإسلامية دفاعاً عن أرضهم، التي كان يظن الصليبيين الغرب انها لقمة سهلة من الممكن ان يحتلوها دون رادع، وعلى الرغم من مرور مئات السنين إلا ان الغرب لم ينسوا ما حدث لإجدادهم في اراضينا العربية، بعد ان حاولوا دخولها من اجل فرض سيطرتهم على الشعوب الإسلامية ونثر الظلم في كل ارجاء بلادهم، ومن ابرز المعارك التي دخلها الصليبيين وبالتحديد الفرنسيون من اجل بسط سيطرتهم عليها هي معركة "المنصورة"، والتي انتهت بأثر ملك فرنسا لويس التاسع، دعونا نتعرف عن قرب ما حدث في تلك المعركة.
ما قبل معركة "المنصورة"
حاول الصليبيون شن هجوم برياً كبيراً على مصر في 17 اكتوبر عام 1244م، ولكن الأمير ركن الدين بيبرس إستطاع دحرهم عند غزة حيث هزمهم شر هزيمة، وهو ما جعل المسلمين يتمكنوا من فرض سطرتهم بشكل كامل، على بيت "المقدس"، وعدد اخر من معاقل الصليبيين.
تلك المعركة والتي كانت لها صدى كبير، لاسيما وان بيت المقدس سيطر عليه المسلمين بشكل كامل، مما جعل أوربا تنتفض على بكرة ابيها، مثلما إنتفضت عندما استرد صلاح الدين بيت المقدس، مما جعل الأوربيون يحضرون الى حملة جديدة بعتاد اكبر، وبقيادة اعظم ملوكهم وهو لويس التاسع ملك فرنسا، والذي كان يحلم ويحضر لتلك اللحظة منذ فترة، فيما كان يعلم الصليبيين كل العلم ان مصر القبلة الأولى للمسلمين، والقلعة الحصينة للدفاع عن الإسلام، من حيث القوة البشرية والروح القتالية والسلاح الذي تمتلكه في ذلك الوقت، فكان لزاماً عليهم إحتلال مصر من أجل السيطرة على بيت "المقدس".
البابا يعطي الضوء الأخضر لإحتلال مصر
بعد ان هزموا الصليبين شر هزيمة في غزة، أرسل بطريرك بيت المقدس "جاليران"، اسقف بيروت، الى ملوك وأمراء أوربا، يطالبهم بتوفير السلاح اللازم وبشكل عاجل للصليبيين المتواجدين في القدس، حتى لا تسقط مملكتهم هناك بشكل كامل، وذلك في نوفمبر عام 1244، وبعدها بعام أي في سنة 1445، تزامناً مع إنعقاد مجمع ليون الكنسي الأول، وفي وجود روبرت بطريرك القدس، اعطى بابا الكاثوليك "إينوسينت"، الرابع الضوء الأخضر للحملة الصليبيية للتوجه الى مصر، بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا، الذي كان يحضر لتلك الحملة ليل نهار.
وأرسل البابا بالفعل"أودو" كاردينال فراسكاتي، من أجل الترويج الى الحملة الصليبيية على مصر، وتم فرض ضرائب باهظة من أجل تمويل الحملة، فيما وافق جنوة ومرسيليا تجهيز السفن اللازمة للمعركة، بينما رفضت البندقية الإشتراك في الحملة، وذلك يرجع الى علاقاتها التجارية الواسعة مع مصر، والتي حرصت إلا تخسرها.
طريق لويس التاسع الى مصر
في أغسطس 1248م، إنطلقت الحملة الصليبية من ميناء "يجور" جنوبي فرنسا، الى قبرص حيث مكثت هناك ثمانية أشهر، ثم أستقل لويس التاسع سفينته "لو مونتجوي"، وأعطى إشارة الى بارونته لإتباعه بسفنهم الى مصر، وذلك في مايو 1249، فتوجهت الصفن من ميناء "ليماسول"، القبرصي الى مصر، واثناء الإبحار حدثت عاصفة بحرية قوية، أسفرت عن خروج نحو 700 سفينة من سفن الحملة، ورسوهم في عكا وسواحل الشام، كانت تلك السفن تحمل نحو 2100 جندي من فرسان لويس التاسع، فيما تبقى معه 700 جندي فقط من فرسانه، مما جعل لويس يتوقف لبعض الوقت في جزيرة المورة اليونانية، الى ان إنضم له "هيو دو بورجوندي" ، ثم أبحر جنوباً صوب مصر.
سقوط دمياط في أيدي الصليبيين
علم الملك الصالح أيوب، بتوجه حملة صليبيية كبيرة الى دمياط، من جل إحتلالها، على الرغم من مرض الملك، إلا انه اشرف بنفسة على الإستعداد لمواجهة الصليبيين في دمياط، وتحدث مع طائفة "بني كنانة"، المشهود لهم بالشجاعة والإقدام، من اجل حماية مدينة "دمياط، وأرسل إليهم السلاح اللازم وجيش بقيادة فخر الدين يوسف، من أجل مقابلة الصليبيين عند وصولهم الى شواطيء المدينة لعرقلة تقدمهم.
ومع وصول الحملة الصليبية في يونيو 1249م، الى شواطيء "دمياط"، إستطاعت ان تنزل الى البر، رغم الإحتكاكات التي حدثت بينهم وبين المسلمين، وهو ما جعل الأمير فخر الدين ينسحب بجيشة، الى المعسكر السلطاني بـ"أشموم طناح"، وعندما رأى الأهالي إنسحاب الحامية العسكرية من مواجهة الصليبيين، فروا هم ايضاً بأبنائهم وزوجاتهم، خارج المدينة، وهو ما سهل وصول الصليبيين الى قلب المدينة دون قتال.
وصل خبر الهزيمة الى الصالح نجم الدين أيوب، والذي تلقى سقوط دمياط بمزيج من الألم والغضب، فعاقب الأمير فخر الدين على تهاونه وضعفه، ونقل معسكره إلى مدينة المنصورة، ورابطت السفن الحربية في النيل تجاه المدينة، وتوافد على المدينة أفواج من المجاهدين الذين نزحوا من بلاد الشام والمغرب الإسلامي.
وبات الصراع مع الصليبيين يقتصر على بعض الغارات التي يشنها الفدائيون المسلمون على معسكراتهم، واختطاف كل من تصل إليه أيديهم، وابتكروا لذلك وسائل تثير الدهشة والإعجاب، وتعددت مواكب أسرى الصليبيين في شوارع القاهرة على نحو زاد من حماسة الناس، ورفع معنويات المقاتلين.
حصار الحملة الصليبية بدمياط
نفذت قوات البحرية المصرية حصار على الحملة الصليبيية، مما ادى الى قطع خطوط إمدادها في فرع دمياط، واستمر ذلك الحصار لحوالي 6 اشهر، تزامناً مع إنتظارلويس التاسع قدوم شقيقه الثالث "كونت دي بواتيه"، والذي حضر خلال الحصار، واجتمع بلويس من اجل وضع خطة الحرب والزحف الى القاهرة، وخرجت قواتهم من دمياط في يوم السبت الموافق "12 من شعبان 647هـ، وابحرت سفنهم في فرع النيل، حتى وصلوا إلى قناة أشموم المعروف اليوم باسم "البحر الصغير"، فصار على يمينهم فرع النيل، وأمامهم قناة أشموم التي تفصلهم عن معسكرات المسلمين القائمة عند مدينة المنصورة.
وفاة الملك الصالح نجم الدين ايوب
تزامناً مع تحرك الحملة الصليبيية الى القاهرة، توفي الملك الصالح أيوب، وذلك في ليلة النصف من شعبان سنة 647هـ/ 22 من نوفمبر 1249م"، فأخفت زوجته شجر الدر خبر وفاته حتى تتدبر شئون الدولة، كما انها أرسلت إلى ابنه توران شاه ولي عهده تحثه على سرعة القدوم إلى مصر ليعتلي عرش البلاد خلفًا لأبيه.
دخول الصليبيين الى المنصورة
ختار لويس التاسع ان يعبر القناة، واستطاع تنفيذ ذلك بمساعدة بعض الخونة، وهو ما جعل المسلمون يتفاجأو بدخول الصليبيين الى معسكراتهم، فانتشر الذعر بين المصريين، واقتحمت فرقة من الصليبيين بقيادة "روبرت أرتوا" أحد أبواب المنصورة، ونجحوا في دخول المدينة وأخذوا يقتلون المصريين حتى وصلت طلائعهم إلى أبواب قصر السلطان نفسه، وانتشروا في أزقة المدينة، حيث أخذ الناس يرمونهم بالأحجار والطوب والأسهم.
تدخل "بيبرس" يقلب موازين معركة "المنصورة"
انقض المماليك البحرية بقيادة "بيبرس البندقداري" على الصليبيين في 4 من ذي القعدة 647هـ/ 8 من فبراير 1250م، فانقلب نصرهم إلى هزيمة، وقُتلت الفرقة وقائدها الكونت أرتوا نفسه.
وفي فجر يوم الجمعة 8 من ذي القعدة 647هـ/ 11 من فبراير 1250م)بدأ الجيش المصري هجومه على معسكر الفرنج، لكن الملك لويس تمكن من الثبات بعد أن تكبد خسائر فادحة، وبذلك انتهت معركة المنصورة الثانية، وهي المعركة التي أيقن الصليبيون بعدها أن عليهم الانسحاب إلى دمياط قبل القضاء عليهم.
المصريون يأسرو لويس التاسع ملك فرنسا
وصل توران شاه، وتولى قيادة الجيش، في 23 من ذي القعدة 674هـ/ 27 من فبراير 1250م وأخذ في إعداد خطة لإجبار لويس التاسع على التسليم، بقطع خط الرجعة عليه، فأمر بنقل عدة سفن مفككة على ظهور الجمال وإنزالها خلف الخطوط الصليبية في النيل، وبهذه الوسيلة تمكن من مهاجمة السفن الصليبية المحملة بالمؤن والأقوات، والإستيلاء عليها وأسر من فيها، وأدى هذا إلى سوء الحال بالفرنسيون، وحلول المجاعة بمعسكرهم وتفشي الأمراض والأوبئة بين الجنود، فطلب لويس التاسع الهدنة وتسليم دمياط مقابل أن يأخذ الصليبيون بيت المقدس وبعض بلاد ساحل الشام، فرفض المصريون ذلك، وأصروا على مواصلة الجهاد.
لم يجد الصليبيون انسب من الإنسحاب إلى دمياط تحت جنح الظلام، ولكن المصريين تعقبوهم وطاردوهم حتى فارسكور، وحاصروهم من كل جانب، وذلك في محرم سنة 648هـ/ إبريل 1250م، وقتلوا منهم أكثر من عشرة آلاف، وأُسر عشرات الألوف، وكان من بين الأسرى الملك لويس التاسع نفسه، حيث تم أسره في قرية "منية عبد الله" شمال مدينة المنصورة، وتم نقله إلى دار القاضي "فخر الدين بن لقمان"، حيث بقي بها أسيرًا فترة حتى أفرج عنه لقاء فدية مالية كبيرة، وجلاء الفرنج عن دمياط، وأن يستمر الصلح بين الطرفين لمدة عشر سنوات.